موضوع المرأة بات جزءا من الألم.. ومن الألم أن الذي يشعر به ويدركه قليل، وهذا يعني أنه ألم سرطاني، يتمدد وينتشر وفي مراحله الأولى لا يحس المريض فيها بألم، لكن إذا تمكن أتلف وأهلك.
كل قضايا المرأة وما تحققه اليوم من مكاسب للفكر التحرري، إبتداء بمساواتها بالرجل في التوظيف، ثم الإختلاط، وإشراكها في النشاطات العامة الذكورية كالألعاب الرياضية، وتقنين تخلصها من قوامة الرجل، لتسكن في الفنادق بغير محرم، ولتعمل في الوظائف العامة بغير إشتراط إذن وليها، حتى سفرها بغير محرم.
كل تلك تفترس وتفتك في جسد الأمة -والمرأة خصوصاً- كما يفعل مرض السرطان، لا يشعر الناس بفرق كبير في أول الأمر، ولا تشعر المرأة بالألم، لكن إذا تمكن إنكشفت في لحظة كل سوءات هذه الخطوات الشيطانية، فظهر جسد ممزق شر ممزق، لا يرجو برءا.
هي بإختصار ستجعل من المرأة سلعة..
لا، ليست بسلعة، فالسلعة لها قيمة، وهي لن تكون لها أي قيمة تذكر، ستعود ذكريات الإماء وسوق النخاسين لكن بأبشع صورة، لقد كن يبعن في العلن، وبحكم شرعي مبيح، لحكمة آنية صالحة لذلك الوقت، لكن سوق النخاسة الجديد مختلف كليا، سيعرض المرأة وقد لبست أحلى الحلل، ووضعت في المنصات للعرض والإستعراض، ستلقى الوفود مستقبلة ومستدبرة، ستكون الواجهة لكل ما هو جميل، لتزيده جمالا، تقدم خبرا.. تجري تحقيقا صحفيا.. تروج لسلعة جديدة.. تستولي على مساحات إعلانية لا تنتهي، وأمور أخرى تعرفونها، وكثير منها بادية لكل من يمر ويجتاز.
لكن كل هذه الزخارف والزينة والمظاهر الفاتنة الموهمة بمكاسب قيمة، تخفي وراءها آلاما وعذابات تعبث بجسدها وتأكل روحها، تقبع وراءها ذئاب مفردها ذئب، هو كل رجل يقف وراءها أو حولها يدفعها أو يعينها، ستكون من حظه متى شاء، ولو لم تشأ.
تحت قوامة رجل واحد كانت، واليوم هو كل رجل إحتاجت إليه يكون، كان ذلك الواحد شفيقا رحيما، يقدمها على نفسه في أشياء كثيرة، ولو جار فهو خير من أجنبي يطمع فيها، فكرهته وسئمته، فكل يوم ولحظة تقرأ وتسمع وتشاهد فيه، لا تجد إلا تحريضا عليه، وإستغلالا لأخطائه في حقها، فتكون الحبة قبة، والصغيرة كبيرة، والفضيلة ذنب لا يغفر، فوسائل التعبير الخبيثة، أساءت إلى الحق، فقدمته في هيئة باطل وشر يجتث.
وطرح عليها البديل، طرح القوامة وتحقيق الإستقلالية التامة، وأعينت عليه بالقرار، ومهدت لها السبل إليه، وسدت الأبواب أمام الولي القيم، وحيل بينه وبين وليته، وتقلصت صلاحيته التي أعطاه إياها الرب بنص القرآن المجيد: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34].
وقيل لها: أنت قاصرة؟!. أنت عاجزة؟!. أنت أمة رقيقة؟!
فنفرت، وأجمعت على الثورة، وجاء معها الثوار، لكن كان أكثرهم من الرجال، وهي بينهم الأنثى الوحيدة، فسارت بهم، وهم يسيرون بها، وقادت جموعهم، وهم يقودونها، كما يقود رجال الذهب القابع في البيت الأبيض في واشنطن، فلما إنتصرت في معركتها مع الرجل، وهي كمعركة العرب مع إخوتهم الأتراك، معركة لم يستفد منها لا العرب ولا الأتراك، بل سقطت الدولة العثمانية، وإستفاد منها الإنجليز والفرنسيين، فتقاسموا بلاد الإسلام، هكذا معركة المرأة والرجل، لم يستفد منها إلا كل منافق زنديق: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19].
مهما تكلمنا، وعبرنا عن شديد ألمنا مما يحصل للمرأة، ومهما قام كثير من الناس بهذا، إلا أن الخط المنحدر بقضيتها لا يزال نشطا، وأكثر ما يعينه لا أقول القرار، بل الرجال، ولا أقول عموم الرجال، بل أولياء المرأة نفسها!!
تأملوا كتاب الله تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء} [فاطر:8].
قد يفعل المرء شيئاً بكل إقتناع ورضا وإطمئنان أنه صواب، وفي حقيقته خطأ وسوء، وهو لا يدري، وآية هذا التناقض هو عودته حينما يعود عن آرائه، فيعجب كيف كان يؤمن بها، ويعتقد صحتها، ويقاتل من أجلها وهي بهذه الصفة من التردي والفساد؟!.
كذلك في قضايا المرأة، والمواقف الرعناء من أولياء الأمور، إذا رضوا أن يكونوا وقود فتنة تعم ولا تخص، فيعطون الإذن لبناتهم وزوجاتهم بالكشف والعمل المختلط والتعليم المختلط في أي مكان كان، بل بعضهم يحرض ويدفع إلى ذلك، يفعلون ذلك بكل ثقة وطمأنينة إلى صحة مواقفهم، ولهم ردود عنيفة على مخالفيهم، فوالله إنه لعجب أشد العجب، كيف يهلكون أنفسهم، ويمنعون من يحييهم؟!
ليس له إلا جواب واحد: زين لهم سوء عملهم، ولولا ذلك ما وقعوا في خطأ فاضح كهذا. وتزيين السوء لا يأتي إلا بسبب من الإنسان نفسه، حينما يفرط في جنب الله، فلا يقوم بفرائضه كما ينبغي، ويتجرأ على محارمه، فيعاقب من الرب عقوبات، منها: غبش يصيب عينه وقلبه، فلا يرى الأشياء والأمور على حقيقتها، كما قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].
فهو رين يصيب القلب، وقد يطبع ويختم عليه، وهذا غاية العمى، كما قال تعالى: {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} [البقرة:7].
وهذه الآيات وإن كانت في حق الكافرين، غير أنها فيهم على التمام والكمال، فإذا أصابت بعض المسلمين، فلهم جزء ونصيب منها، فتقل قدرتهم على تمييز الحق من الباطل، والعلة الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعرض الذنوب على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب نكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يعود القلب على قلبين: قلب أسود مرباد كالكوز مجخِّيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أتبع هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض».
فالتعرض للذنوب -ولو صغارا- والإستخفاف بها، يعرض القلب للمرض والموت، كما قال العالم الرباني عبد الله المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخير لنفسك عصيانها
لا يخفى أن من الناس من لا يهتم للفتوى وكلام العالم، حتى من كانت له عناية بها وتوقير، غدا في حيرة من كثرة الخلاف في هذه المسائل، فمن يمنع من الكشف، يقابل من يجيزه، ومن يحرم الإختلاط المنظم في العمل والعلم والنشاطات الأخرى، يعارضه من يتكلم بالإباحة، وهكذا كل قضية من قضايا المرأة -وغيرها كذلك- تجد فيها الرأيين، حتى أشد الآراء تطرفا وضعفا في كتب الفقه، تجد اليوم من يبثه ويبعثه ويحييه.
فالعامي من الناس لا يدري من يتبع، غير أن مجرد هذا الإختلاف، مما يوهن ويضعف الرأي الراجح والقول الحق، إذا ما نشر القول الضعيف والرديء وأعين عليه بالإعلام والترويج.
كثير من الآراء السخيفة والبلهاء تغدو قيمة وعظيمة بفعل الترويج، كلما كان للمروجين وسائل إعلامية جاذبة وماتعة، إستطاعت إقناع الناس بتلك السخافات حتى يؤمنوا بها، وما قضية المرأة إلا واحدة من هذه التي تولتها وسائل إعلام عديدة سلبا.
كم هي المشاهد المنفرة والتي تحط من قدر المرأة العاملة في بيتها، مع أن التاريخ كله بمختلف إتجاهاته ودياناته كان على هذا المبدأ، وفي الغرب اليوم تحريض وتشجيع للمرأة العاملة في بيتها، كيف أمكن تنفير المرأة من هذا العمل المقدس الذي لا يقوم به غيرها؟
من طبع المرأة وجبلتها الإستناد إلى الرجل، والشعور بالطمأنينة في كنفه وحمايته، وشعورها بالفخر من وجود رجل إلى جانبها، أمر لا تنكره المرأة، كيف إنتكست هذه الفطرة، لتحل محلها رفض هذا الوجود، وطلب الإستقلالية؟
قس على هذا أشياء وقضايا كثيرة، الأداة الفاعلة في قلب هذه الحقائق والتلاعب بها، هو: الإعلام بخاصة المرئي منها، ثم بقيتها.
مع أحوال كهذه فيها الدجل والكذب، ليصل إلى الإغراء بالزنا والخمر وكافة الموبقات الكبائر، كلها تعرض في قالب لطيف وديع أخَّاذ، كذئب ارتدى صوف ضأن، كإبليس اللعين حين قال: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20].
ليس للصادق إلا أن يطلب من الله أن يهدي قلبه، فيتعرض لرحمته كل أوقات الرجاء، ويدعوه مخلصا له الدين: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهتدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
الكاتب: د. لطف الله خوجة.
المصدر: موقع المحتسب.